إعادة استخدام المياه الرمادية في المملكة: دليل فني للالتزام بأعلى المعايير الوطنية
شهدت المملكة العربية السعودية نهضة تنموية متسارعة، ما أدى بطبيعة الحال إلى زيادة مطردة في الطلب على المياه. ومع التحديات المرتبطة بالإجهاد المائي، أصبحت إدارة جانب الطلب والبحث عن حلول مستدامة أمراً حتمياً يتماشى مع رؤية المملكة 2030.
في هذا السياق، يبرز إعادة استخدام المياه الرمادية كخطوة متقدمة لضمان الاستخدام المناسب والفعال للمياه. ولتوجيه القطاع الحضري وضمان التطبيق الآمن والفعال لهذه التقنية، أصدر المركز الوطني لكفاءة وترشيد المياه (مائي) دليلاً فنياً استرشادياً شاملاً بعنوان: “دليل إعادة استخدام المياه الرمادية“.
المزايا الاستراتيجية لتبني أنظمة المياه الرمادية
لا يقتصر إعادة استخدام المياه الرمادية على توفير المياه الصالحة للشرب فحسب، بل يمتد ليشمل فوائد اقتصادية وبيئية واسعة. وقد جاء الأمر السامي الكريم رقم (228) بتاريخ 1426/08/29، بإعادة تدوير المياه الرمادية لاستخدامها في صناديق الطرد في الجهات الحكومية والمؤسسات، تأكيداً على الأهمية الوطنية لهذا التوجه.
ويوضح الدليل الفوائد البيئية لهذه الممارسة
لإعادة استخدام المياه فوائد عديدة للبيئة مثل زيادة إمدادات المياه التي يمكن الاعتماد عليها محلياً، والحد من تصريف النفايات البيئية الضارة، والحد من التلوث. وأخيراً وليس آخراً، توفير الطاقة اللازمة لإنتاج وتحلية مياه جديدة.
ما هي المياه الرمادية وفقاً للدليل؟
لتطبيق نظام معالجة فعال، يجب أولاً تحديد مصدر المياه الرمادية بدقة. ويُعرّف الدليل المياه الرمادية بأنها: “المياه المستخدمة غير المعالجة التي لم تتلامس مع نفايات المراحيض. ويشمل المياه الناتجة من أحواض الاستحمام وأحواض الغسيل وغسيل الملابس”.
ملاحظة هامة: يستثني الكود السعودي للبناء أحواض المطابخ وغسالات الصحون من تعريف المياه الرمادية لأغراض المعالجة في هذا الدليل. ويعود ذلك إلى احتوائها على الدهون والزيوت والشحوم والمركبات العضوية التي تتطلب أنظمة معالجة معقدة ومرتفعة التكلفة. مما يجعلها غير مجدية اقتصادياً في كثير من الأحيان.
اختيار نظام المعالجة: الجودة تحدد الاستخدام
يؤكد الدليل أن تحديد الغرض من استخدام المياه المعالجة هو المفتاح لاختيار النظام المناسب. حيث كلما زادت درجة تعقيد النظام كلما زاد حجمه وزادت تكلفته. حدد الدليل أربعة تصاميم رئيسية لأنظمة معالجة المياه الرمادية، تناسب مستويات مختلفة من المعالجة والاستخدام:
- نظام الاستخدام المباشر: أبسط الأنظمة، ويستخدم لري النباتات تحت التربة مباشرة (مع ضرورة استخدام المياه منخفضة التلوث وتجميعها واستهلاكها بحد أقصى 24 ساعة).
- نظام المعالجة الحيوية (مثل المرشحات المتعددة الوسائط): يستخدم تقنيات نظيفة وغير مكلفة نسبياً، ويزيل الجزيئات كبيرة الحجم والمواد العضوية عبر التفكيك البيولوجي.
- نظام المرشحات الميكانيكية (MF/UF/NF و MBR): يوفر جودة عالية للغاية في نواتج المعالجة، خصوصاً المفاعلات الحيوية الغشائية MBR. وتستخدم مياهه لغسيل المراحيض، وغسيل الملابس، والري. بل وقد تصلح لأبراج التبريد في بعض الحالات المتقدمة. ستجد هنا مقارنة بين معالجة المياه الرمادية MBR vs RO
- نظام المعالجة الكيميائية (مثل DAF): يعتمد على التخثر والتلبد. وهو فعال في إزالة الزيوت والدهون والمواد العالقة، ومناسب للمياه الرمادية منخفضة القوة.
ضمان السلامة والالتزام بالمعايير
إن جوهر عملنا في معالجة المياه هو ضمان أن المياه المعالجة تفي بمتطلبات الجودة الوطنية، وفقاً لنظام المياه الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/159.
جودة المياه المعالجة
يجب أن تفي المياه الرمادية المعالجة بمعايير صارمة تشمل الخصائص الفيزيائية والكيميائية والميكروبيولوجية. فعلى سبيل المثال، يحدد نظام المياه السعودي متطلبات لجودة المياه المعالجة تتضمن ألا تتجاوز العكارة 2 NTU. وألا تتجاوز بكتيريا القولون الكلية 2.2 عدد/100 مللي، مع ضرورة أن تكون المياه خالية من الزيوت والشحوم واللون والرائحة.
اللافتات والأنابيب (الصحة العامة أولاً)
لضمان الصحة العامة ومنع الاستخدام غير المقصود، يشدد الدليل على متطلبات التوسيم الصارمة:
- لون الأنابيب: يجب أن تكون جميع أنابيب المياه الرمادية باللون الأرجواني أو يتم تركيب شريط أو لفائف بنفسجية اللون حولها.
- علامات التحذير: يجب وضع علامة على جميع الأنابيب بعبارة: “تحذير: ماء غير صالح للشرب – يمنع الشرب” على مسافات لا تزيد عن 750 ملم. ويجب وضع هذه العلامات أيضاً على منافذ المياه الرمادية المعالجة (الوصلات والصنابير والأجهزة).
النظرة المستقبلية
من المتوقع أن يُحدث التكامل المستمر للذكاء الاصطناعي في عمليات تنقية المياه ثورةً في معالجة المياه الرمادية. ويمكن للتحسين المُعتمد على الذكاء الاصطناعي تحسين أداء أنظمة الترشيح الغشائي وتحسين إدارة عمليات معالجة مياه الصرف الصحي.
مع تقدم الصناعة، سيبقى التركيز على تطوير تقنيات مبتكرة لا تُعالج تحديات ندرة المياه فحسب، بل تُعزز أيضًا الممارسات المستدامة في مختلف القطاعات. تُشير هذه التطورات إلى تحول كبير نحو حلول معالجة مياه رمادية أكثر كفاءةً وفعاليةً من حيث التكلفة وصديقةً للبيئة، مما يضمن مستقبلًا مستدامًا لإدارة المياه.
الريادة البيئية والمساهمة في المبادرات الخضراء
إن تبني تقنيات إعادة استخدام المياه الرمادية هو أكثر من مجرد كفاءة؛ إنه إعلان عن التزام مؤسسي بالاستدامة البيئية. المشاريع التي تنفذ هذه الأنظمة تضع نفسها في صدارة الشركات والمجمعات التي تدعم بشكل فعال جهود المملكة في إطار “مبادرة السعودية الخضراء” ورؤية 2030. إن المساهمة في تحقيق أهداف الاستدامة، خاصة الهدف السادس من أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة (SDG 6) المتعلق بالمياه النظيفة، يعزز من قيمة العلامة التجارية والمكانة الاجتماعية للمؤسسة.
بالنسبة للمطورين العقاريين، فإن دمج حلول المياه الرمادية يزيد من جاذبية المبنى وقيمته السوقية. حيث يتجه المستهلكون بشكل متزايد نحو العقارات ذات البصمة البيئية المنخفضة. إن تحويل المياه التي كانت ستذهب إلى الهدر إلى مصدر مستدام وموثوق للري أو لغسيل المراحيض، هو مثال حي على الاقتصاد الدائري للموارد. ويجعل من كل مبنى يطبق هذا النظام شريكاً نشطاً في حماية الموارد الطبيعية الثمينة للمملكة.
حساب عائد الاستثمار (ROI) للمياه الرمادية
على الرغم من أن الالتزام بالمتطلبات الوطنية هو الدافع الأساسي، يظل السؤال حول الجدوى الاقتصادية وعائد الاستثمار (ROI) هو الأهم بالنسبة للمشاريع التجارية والتجمعات السكنية الكبيرة. إن أنظمة إعادة استخدام المياه الرمادية ليست مجرد تكلفة تشغيلية، بل هي أصول استثمارية طويلة الأجل. في المملكة، حيث يتم تطبيق تعرفة مياه تصاعدية (متزايدة)، فإن كل متر مكعب موفر من المياه الصالحة للشرب يساهم في خفض الفاتورة الكلية بشكل مضاعف، لأنه يجنب المستخدمين الدخول في شرائح الاستهلاك الأعلى والأكثر كلفة.
بالإضافة إلى وفورات استهلاك المياه، يجب الأخذ في الاعتبار انخفاض تكاليف الصرف الصحي. فكل جالون من المياه الرمادية يتم معالجته وإعادة استخدامه محلياً هو جالون لا يُصرف في شبكات الصرف الصحي. مما يقلل من رسوم التصريف ويخفف الضغط على البنية التحتية المحلية. عند دمج ذلك مع العمر الافتراضي الطويل للأنظمة الحديثة (الذي يتجاوز غالباً 15-20 عاماً). يصبح الاستثمار في معالجة المياه الرمادية قراراً مالياً حكيماً يضمن “حماية مالية” ضد الزيادات المستقبلية في أسعار المياه والرسوم البيئية.
التزامنا بالمعايير الوطنية
إن هذا الدليل الصادر عن المركز الوطني لكفاءة وترشيد المياه هو خارطة الطريق لجميع مشاريع إعادة استخدام المياه الرمادية في المملكة. نحن نلتزم بتطبيق المواصفات الفنية لتصميم وتركيب واختبار وتشغيل وصيانة نظم إعادة استخدام المياه الرمادية، مع الالتزام التام بالمعايير الفنية الواردة في الدليل والكود السعودي للبناء (SBC701).
سواء كان مشروعك يتطلب نظام الاستخدام المباشر البسيط أو تقنيات متقدمة مثل المفاعلات الحيوية الغشائية (MBR) ذات الكفاءة العالية. فإن فريقنا مستعد لتقديم الحلول المتوافقة مع أعلى معايير الجودة والسلامة التي تتطلبها السلطات التنظيمية في المملكة. هل لديك مشروع يهدف إلى تحقيق الاستدامة المائية من خلال إعادة استخدام المياه الرمادية؟ تواصل معنا اليوم لضمان الالتزام بالمعايير الوطنية وتصميم نظام يلبي احتياجك الفعلي بأعلى كفاءة.
