تواتر الفحوصات المخبرية لجودة المياه - Frequency of Water Quality Testing

تواتر الفحوصات المخبرية لجودة المياه: ضرورة التحقق من أداء تقنيات المعالجة المتقدمة

تعد جودة المياه حجر الزاوية للصحة العامة والاستدامة البيئية. ومع تزايد ندرة المصادر المائية التقليدية وتفاقم تحديات التلوث، أصبح الاعتماد على تقنيات معالجة المياه المتقدمة، مثل الترشيح الدقيق (Microfiltration – MF)، الترشيح الفائق (Ultrafiltration – UF)، والتناضح العكسي (Reverse Osmosis – RO)، أمراً حتمياً. هذه التقنيات، التي تعمل على مستويات دقيقة للغاية، توفر مياه شرب آمنة أو مياهاً صالحة لإعادة الاستخدام، ولكن كفاءتها العالية تأتي مع مسؤولية مضاعفة: الحاجة إلى نظام رصد وتحقق صارم.

إن العلاقة بين عدد المرات التي يجب أن يتم فيها الفحص المخبري (التواتر) ونوع تقنية المعالجة هي علاقة سببية؛ فنوع التقنية يحدد المخاطر المحتملة، ونقاط الضعف التشغيلية، ومعايير الجودة المطلوبة. وبالتالي، يجب أن يكون تواتر الفحص المخبري مصمماً خصيصاً ليس فقط لتلبية المتطلبات التنظيمية، بل لضمان واستدامة أداء هذه الأنظمة المعقدة بشكل مستمر. المقال التالي يستكشف كيف تفرض تقنيات المعالجة المتقدمة استراتيجيات متطورة لتواتر الفحص المخبري.

الترشيح الدقيق والترشيح الفائق: استراتيجية الفحص لضمان سلامة الغشاء

تعتمد تقنيتا الترشيح الدقيق (MF) والترشيح الفائق (UF) على فكرة الحاجز المادي (Physical Barrier) لإزالة الجسيمات المعلقة، البكتيريا، والكائنات الأولية المسببة للأمراض (مثل الكريبتوسبوريديوم والجيارديا). يعتبر الترشيح الفائق أكثر فعالية نظراً لحجم مسامه الأصغر (أقل من ).

طبيعة المخاطر وتأثيرها على التواتر

تكمن المخاطرة الرئيسية في هذه الأنظمة في فشل سلامة الغشاء (Membrane Integrity Failure). والذي قد ينتج عن التلف الميكانيكي، أو تآكل المواد الكيميائية، أو ارتفاع الضغط غير المتحكم به. أي ضرر في الغشاء يعني احتمالاً مباشراً لمرور الملوثات الميكروبيولوجية إلى المياه المعالجة.

متطلبات تواتر الفحص

لذلك، يجب أن يرتكز تواتر الفحص هنا على نهج مزدوج:

الرصد اليومي والمستمر في الموقع (Continuous Monitoring):

  1. العكارة (Turbidity): يجب قياس العكارة في مياه المرشح (Permeate) بشكل مستمر. العكارة هي مؤشر فعال لحالة الغشاء؛ أي زيادة مفاجئة أو مستمرة فوق الحد المسموح به (عادةً أقل من ) تشير بقوة إلى فشل في سلامة الغشاء، وتتطلب فحصاً مخبرياً طارئاً وفورياً.
  2. فحص سلامة الغشاء (Integrity Testing): يجرى اختبار سلامة الغشاء (مثل اختبار تدهور الضغط أو اختبار ضغط الفقاعة) يومياً، وأحياناً عدة مرات في اليوم. لضمان عدم وجود شقوق أو تسربات.

الفحص المخبري الروتيني للتحقق (Routine Laboratory Analysis):

  1. المؤشرات الميكروبيولوجية: لا يمكن الاعتماد على العكارة وحدها كضمان نهائي. يجب إجراء فحص شامل للمؤشرات الميكروبية (مثل بكتيريا القولون الكلية وE. coli) أسبوعياً أو نصف شهرياً. للتحقق من أن كفاءة الإزالة (Log Reduction) تظل ضمن الحدود التنظيمية المحددة.
  2. مراقبة مواد التنظيف: يجب فحص تركيز بقايا مواد التنظيف الكيميائية (مثل هيبوكلوريت الصوديوم أو الأحماض) بشكل شهري أو بعد كل دورة غسيل. لضمان إزالة هذه المواد بالكامل وعدم تأثيرها على جودة المياه المنتجة.

التناضح العكسي: تواتر الفحص لضمان رفض الأملاح والمواد الذائبة

تعد تقنية التناضح العكسي (RO) المعيار الذهبي لإزالة الأملاح الذائبة (Total Dissolved Solids – TDS)، الأيونات، والمعادن الثقيلة. مما يجعلها مثالية لتحلية مياه البحر أو المياه قليلة الملوحة أو لمعالجة المياه العادمة لإعادة استخدامها. يعتمد نظام الـ RO على الأغشية شبه المنفذة التي تسمح بمرور جزيئات الماء فقط.

اقرأ أيضاً: دور اختبار المياه في تحديد تقنية التناضح العكسي المناسبة

طبيعة المخاطر وتأثيرها على التواتر

تنبع مخاطر الـ RO من عاملين رئيسيين:

  1. تدهور كفاءة رفض الأملاح (Salt Rejection): يحدث هذا بسبب تقادم الغشاء، أو التلف الكيميائي، أو التآكل (Fouling/Scaling)، مما يؤدي إلى زيادة نسبة الأملاح المتبقية في المياه المنتجة.
  2. اختراق الملوثات الدقيقة: بعض الملوثات العضوية منخفضة الوزن الجزيئي أو بعض الأملاح (مثل البورون) قد لا يتم رفضها بالكامل، مما يستلزم فحوصات متخصصة.

متطلبات تواتر الفحص

يتطلب أداء RO تواتراً عالياً من الرصد المستمر لمعايير التشغيل، مقترناً بفحص مخبري دوري للملوثات النوعية:

  1. الرصد المستمر والمعتمد على الأداء (Performance-Based Monitoring):
  • الموصلية الكهربائية (Conductivity): هذه هي أهم معلمة يجب رصدها بشكل مستمر (في الوقت الفعلي) في المياه المنتجة (Permeate). الموصلية مؤشر مباشر لكمية الأملاح الذائبة؛ وأي ارتفاع مفاجئ يتطلب إجراء فحص مخبري عاجل للتأكد من مستويات الكلوريدات أو المعادن.
  • قياسات التشغيل (Operational Measurements): يجب رصد الضغط ودرجة الحرارة ومعدلات التدفق بشكل مستمر. التغيرات في هذه العوامل تؤثر مباشرة على كفاءة الرفض، ويتم استخدامها للتنبؤ بالفحوصات المخبرية الضرورية (مثلاً، انخفاض الأداء يعني الحاجة إلى فحص كيميائي لتحديد طبيعة التآكل).
  1. الفحص المخبري الروتيني والنوعي (Routine and Specialized Analysis):
  • إجمالي المواد الصلبة الذائبة (TDS): فحص أسبوعي أو نصف شهري لـ TDS في المياه المنتجة لضمان استقرار رفض الأملاح. خاصة أنظمة التحلية التي تتعامل مع مياه مالحة متغيرة التركيز.
  • المعادن الثقيلة والأيونات النوعية: فحص ربع سنوي أو سنوي للملوثات الخاصة التي لا يتم رفضها بالكامل بسهولة (مثل البورون والنيترات). والتي تتطلب تقنيات تحليل مخبري متقدمة ومكلفة (مثل ). يتم تحديد هذا التواتر المنخفض نسبياً بناءً على استقرار مصدر المياه.
  • فحص ما قبل المعالجة: يتم فحص جودة المياه المغذية للغشاء (Feed Water) يومياً (مثل مؤشر الكثافة الطينية SDI) لضمان حماية أغشية RO. حيث أن فشل الترشيح المسبق هو السبب الأول لتدهور أداء RO.

الربط المباشر: التقنية كعامل لتحديد تواتر الفحص

إن العلاقة بين تقنيات المعالجة المتقدمة وتواتر الفحص المخبري هي علاقة تكاملية وليست علاقة إحلال:

  • التحول إلى الرصد المعتمد على المخاطر (Risk-Based Monitoring): تتيح أنظمة المعالجة المتقدمة للمشغلين الانتقال من نظام الفحص القائم على الوقت (مثل “الفحص كل يوم ثلاثاء”) إلى نظام القائم على الخطر (مثل “الفحص فقط عند تدهور العكارة أو ارتفاع الموصلية”). هذا يحسن كفاءة استخدام الموارد المخبرية.
  • تحديد معلمات الفحص: تفرض التقنية نوع الفحوصات وتواترها. بالنسبة للـ UF/MF، يكون التركيز والتواتر العالي على الفحص الميكروبيولوجي وسلامة الغشاء. أما بالنسبة للـ RO، يكون التركيز والتواتر العالي على فحص الأيونات والمعادن الذائبة.
  • الاعتماد على التقنية المساعدة: يمكن للرصد المستمر في الموقع (الـ Sensors) أن يرفع تواتر المراقبة إلى مستوى الدقائق، مما يوفر خط الدفاع الأول. بينما يظل الفحص المخبري الدقيق هو التحقق (Verification) والضمان (Assurance) النهائي لدقة القياسات وقدرة النظام على إزالة الملوثات المعقدة.

مقال آخر يوضح: كيفية تحديد مواعيد اختبارات جودة المياه حيث نفخر في مؤسسة رعاية المياه لتنقية المياه بالإجابة على جميع أسئلتكم واستفساراتكم.

الخلاصة: التواتر الأمثل لضمان الجودة

إن تواتر الفحوصات المخبرية في أنظمة المعالجة المتقدمة ليس رقماً ثابتاً. بل هو استراتيجية ديناميكية ومصممة بدقة لتعكس نقاط القوة والضعف في كل تقنية. تتطلب تقنيات الترشيح (MF/UF) تواتراً عالياً جداً للتحقق من سلامة الغشاء (يومياً أو مستمراً) والفحص الميكروبيولوجي الروتيني. بينما تتطلب تقنية التناضح العكسي (RO) رصداً مستمراً للموصلية والفحص الدوري (أسبوعي إلى سنوي) لضمان رفض الأملاح والمعادن الثقيلة. إن دمج الرصد المستمر باستخدام المستشعرات مع الفحص المخبري الدوري هو الطريقة الوحيدة لضمان سلامة وكفاءة تقنيات المعالجة المتقدمة على المدى الطويل.


مؤسسة رعاية المياه

شركاء وضعوا ثقتهم في مؤسسة رعاية المياه